کد مطلب:90582 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:146
فقال له معاویة: صف لی علیاً. فقال ضرار: اعفنی من ذلك. فقال معاویة: أقسمت علیك لتفعلن. فقال ضرار: إذن فاسمع. إنه كان و اللّه أول من لبّی و كبّر، و أفضل من تقمّص و اعتجر، و أكرم من ناجی ربه و سهر، و أعلم من قرّب و نحر، و أجود من تصدّق بأبیض و أصفر، و خیر من أقبل و أدبر بعد محمد سید البشر. قال معاویة: زدنی یا ضرار. فقال ضرار: كان و اللّه بعید المدی، شدید القوی، یقول فصلاً، و یحكم عدلاً، یتفجر العلم من جوانبه، و تنطلق الحكمة من نواحیه. و كان و اللّه معنا كأحدنا، یُدنینا إذا أتیناه، و یجیبنا إذا سألناه، و ینبئنا إذا استنبأناه، و یلبّینا إذا دعوناه. و كنا و اللّه مع تقریبه لنا و قربه منا لا نكاد نبتدؤه لعظمته، و لا نكلمه لهیبته. فإن تبسم فعن غیر أشر و لا اختیال[2]، و إن نطق فعن الحكمة و فصل الخطاب [ كان ] یقسم بالسویّة، و یعدل فی الرعیة، و لا یُطمع القوی فی باطله، و لا ییأس الضعیف من عدله. كان یعظّم أهل الدین، و یفضّل المساكین، و یُطعم فی المَسغَبة یتیماً ذا مقربة، أو مسكیناً ذا متربة، و یكسو العریان، و ینصر اللهفان، و یستوحش من الدنیا و زهرتها، و یأنس إلی اللیل و ظلمته. كان و اللّه غزیر العبرة، طویل الفكرة، یقلّب كفّه، و یعاتب نفسه. یعجبه من اللباس ما خشن، و من الطعام ما جشب. فأشهد باللّه لقد رأیته فی بعض مواقفه و قد أرخی اللیل سدوله، و غارت نجومه، و هو قائم فی محرابه، قابض علی لحیته، یتململ تململ السلیم، و یبكی بكاء الحزین، یناجی ربه. [صفحه 562] فكأنی أسمعه الآن و هو یقول: یا ربنا، یا ربنا، یتضرع إلیه، و یخاطب الدنیا فیقول:[3] یَا دُنْیَا، یَا دُنْیَا، إِلَیْكِ عَنّی. أَبی تَعَرَّضْتِ، أَمْ إِلَیَّ تَشَوَّقْتِ؟. لاَ حَانَ حَیْنُكِ. غُرّی، یَا دُنْیَا، مَنْ جَهِلَ حِیَلَكِ، وَ خَفِیَ عَلَیْهِ حَبَائِلُ كَیْدِكِ[4]. هَیْهَاتَ، هَیْهَاتَ[5]، غُرّی غَیْری، لاَ حَاجَةَ لی فیكِ. لَقَدْ طَلَّقْتُكِ[6] ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فیهَا، فَعَیْشُكِ قَصیرٌ، وَ خَطَرُكِ یَسیرٌ، وَ أَمَلُكِ حَقیرٌ، وَ خُسْرَانُكَ كَبیرٌ، وَ حَظُّكِ قَلیلٌ، وَ أَهْلُكِ ذَلیلٌ، وَ بَهْجَتُكِ زُورٌ، وَ مَوَاهِبُكِ غُرُورٌ[7]. آهِ آهِ[8] مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَ طُولِ[9] الطَّریقِ[10]، وَ بُعْدِ السَّفَرِ[11]، وَ عَظیمِ الْمَوْرِدِ، وَ خُشُونَةِ الْمَضْجَعِ[12]. [صفحه 563] فوكفت دموع معاویة ما یملكها و هو یقول: رحم اللّه أبا حسن، فقد كان و الله كذلك. و اختنق القوم من حوله بالبكاء. ثم قال معاویة: زدنی یا ضرار شیئاً من كلامه. فقال ضرار: لقد كان یقول [ أمیر المؤمنین علیه السلام ]: لَقَدْ عُلِّقَ بِنِیَاطِ الإِنْسَانِ بَضْعَةٌ هِیَ أَعْجَبُ مَا فیهِ، وَ ذَلِكَ الْقَلْبُ وَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ أَضْدَاداً مِنْ خِلاَفِهَا. فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ. وَ إِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ. وَ إِنْ مَلَكَهُ الْیَأْسُ قَتَلَهُ الأَسَفُ. وَ إِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ[13] بِهِ الْغَیْظُ. وَ إِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضَا نَسِیَ التَّحَفُّظَ. وَ إِنْ غَالَهُ[14] الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ[15]. وَ إِنِ اتَّسَعَ لَهُ الأَمْرُ[16] اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ. وَ إِنْ جُدِّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ[17]. وَ إِنْ أَفَادَ مَالاً أَطْغَاهُ الْغِنی. وَ إِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ شَغَلَهُ الْبَلاَءُ [ وَ ] جَهَدَهُ الْبُكَاءُ[18]. وَ إِنْ أَصَابَتْهُ مُصیبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ. [صفحه 564] وَ إِنْ جَهَدَهُ[19] الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ[20]. وَ إِنْ أَفْرَطَ بِهِ[21] الشَّبَعُ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ. فَكُلُّ تَقْصیرٍ بِهِ مُضِرٌّ، وَ كُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ. فقال معاویة: زدنی كل ما وعیته من كلامه. فقال ضرار: هیهات أن آتی علی جمیع ما سمعته منه. ثم قال: سمعته ذات یوم یقول: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْیَا عَلی قَوْمٍ أَعَارَتْهُمْ مَحَاسِنَ غَیْرِهِمْ[22]، وَ إِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُمْ سَلَبَتْهُمْ مَحَاسِنَ أَنْفُسِهِمْ[23]. فقال معاویة: فكیف كان حبك له؟. قال ضرار: كحب أم موسی له، و أعتذر إلی اللّه من التقصیر. فقال معاویة: و كیف حزنك علیه؟. قال ضرار: حزنی و اللّه حزن من ذُبح واحدها فی حجرها فلا ترقأ دمعتها، و لا تسكن حرارتها إلی یوم القیامة. فقال معاویة: لكن أصحابی لو سئلوا عنی بعد موتی ما أخبروا بشی ء مثل هذا[24].
.
صفحه 562، 563، 564.
و المستطرف ج 1 ص 137. و البحار ( مجلد قدیم ) ج 8 ص 538. و نهج السعادة ج 3 ص 87 و 200 و 327. و فضائل الخمسة ج 3 ص 37 عن حلیة الأولیاء لأبی نعیم ج 1 ص 84. باختلاف بین المصادر. و المستطرف ج 1 ص 137. و الجوهرة ص 75. و نهج السعادة ج 3 ص 201. و فضائل الخمسة ج 3 ص 37 عن حلیة الأولیاء لأبی نعیم ج 1 ص 84. و المستطرف ج 1 ص 137. و الجوهرة ص 75. و نهج السعادة ج 3 ص 201. باختلاف بین المصادر.